المقدمة:
في حفلةٍ من الأسئلة التي لا تفارق المجالس، يطفو سؤال بسيط على السطح: «هل للمرأة قلبان؟» سؤال يبدو استفزازيًا لحظة، لكنه عند التأمل يقودنا إلى عمقٍ من المعاني يتجاوز الحرف إلى باطن الكلام. حين يرد النص القرآني بلفظٍ يتناول الرجل تحديدًا («ما جعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه») تتوقف العيون وتتساءل: لماذا ذكر الرجل ولم يذكر المرأة؟ وما حقيقة هذا «القلبان» المزعوم؟ سنسرد هنا القصة بسردٍ جديد ومختصر، نفتح أبواب التأويل والتفكر، ونقارب الحكمة التي تقف خلف ألفاظ النص.
السرد:
في محاضرة جامعية حاشدة، طلب الأستاذ من الحاضرين قراءة آيةٍ بعين فاحصة. قرأ الآية: «ما جعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه»، فالتفت طالب ملحد وقال بتحدٍ: «هذه كلمات متضاربة، إن اللفظ يهترئ». كان السؤال صادمًا على بساطته، لكنه جاب في أروقة التفكير: لماذا قال الله «رجل» ولم يقل «إنسان»؟ ولماذا نستخدم كلمة «قلبان» هنا؟ وقف القارئ متأملاً، ثم أوضح الأستاذ: الآية تتناول إعجاز القرآن في دقته البلاغية، وفي اختيار الكلمات التي تحوي معاني عميقة ومقاصدية. إذ أن «قلبين» هنا لا تعني وجود قلبين عضويين، بل تعبيرٌ بلاغي يصف انقسام الذات، تَشتُّت الضمائر، ازدواجية الموقف بين الإيمان والشك أو بين الحق والهوى. أما لماذا ذكر «رجل» فقد رُكِّز الخطاب على صفة لغوية ونمط حسابي في تركيب الكلام، لا لنفي وجود الحالة في النساء. ثم أن التفسير الأعمق يذكر أن المرأة قد تُحمل ما يشبه القلبين حين تحمل طفلًا بداخلها: قلبها وقلب الطفل. وهنا يتضح المعنى المتعدد الطبقات للآية: بلاغة، تأويل، وتطبيق اجتماعي.
تفسير معاصر مبسَّط:
-
البُعد البلاغي: الآية تُظهر قدرة القرآن على اختزال فكرةٍ معقدة في عبارة موجزة. «قلبان» استعارة لوصف التناقض الداخلي — الرجل المنقسم بين حقٍّ وباطل.
-
البُعد السلوكي: قد يفهم منها تحذير من ازدواجية الموقف وعدم الثبات؛ فالإنسان الذي يحمل «قلبين» لا يكون صادقًا في اختياراته.
-
البُعد النسوي والفيزيولوجي: تفسير الحاضرين بأن المرأة «قد تحمل قلبين» عند الحمل هو قراءة توضيحية للسياق البيولوجي — قلبها وقلب الجنين — وهو تفسير يحمل وجاهته من باب الإشارة التشبيهية وليس نصًا فقهيًا صحيحًا بذاته.
-
البُعد العقدي: الرد على من يجادل بأن النص «غير منطقي» يظهر أن النص لا يُقصد به وصف تشريحي بل تحذيري وأخلاقي.
أمثلة تطبيقية وحكايات واقعية:
-
رجلٌ يبدو مستقيمًا وواثقًا، لكنه في قراراته يبيع مبادئه من أجل مكاسب آنية — نراه «قلبين»: أحدهما يرشد إلى الحق، والآخر يتبع الهوى.
-
أمٌ تُمثل التضحية، تحمل طفلًا حديث الولادة، وتُحسّ بأن جزءًا من نفسها صار لغيرها — هذه تجربة انسانية تُشبه تشبيهات القول بأن «المرأة قد تحمل قلبين».
-
في أروقة السياسة والأعمال، كثيرون يحملون مواقف مزدوجة: خطاب عام وموقف خاص — صورة عملية لحالة «قلبين».
الحكمة المستخلصة:
-
التمييز بين اللفظ والمعنى: لا تقرأ النصوص بحرفنة جامدة؛ اللغة الدينية تحتوي على مستويات: لفظيّة، بلاغية، وتأويلية.
-
الوعي بالألفاظ: النقاش عن «ذكر الرجل» في الآية يذكّرنا أن اللغة قد تختار لفظًا لأهداف بيانية دون أن تقصد حصر المعنى عن آخرين.
-
التفكير العميق والتأمل: كما قال الأستاذ في المحاضرة، الوصول إلى المعاني الدقيقة يتطلب تأملاً وتفكيرًا عميقًا في سياق النص ولغته.
تمرين تأملي عملي
اقرأ الآية ببطء ثم خطّط لكتابة ثلاث تفسيرات محتملة: بلاغية، اجتماعية، ونفسية. اختر واحدة ودوّن كيف تغير فهمك لسلوك إنسانٍ تعرفه إن قرأت عليه هذا التفسير. غالبًا ستتغير قراءتك للأحداث بعد تطبيق منظور جديد.
أسئلة شائعة (FAQs)
س: هل الآية تنفي إمكانية أن يكون للنساء «قلبان»؟
ج: الآية لم تهدف إلى الحصر الجنسي؛ الكلمة اقتضت السياق البلاغي. التفسير الذي يربط حمل المرأة بالحالة هو قراءة توضيحية وليس نصًا تشريعيًا.
س: هل هناك تفسير علمي للآية؟
ج: القرآن لا يقدم توصيفًا تشريحيًا؛ بل يستخدم اللغة البلاغية لتبيان معانٍ أخلاقية ونفسية. أي ربط علمي يجب أن يكون بمسافة تأويلية.
س: لماذا استخدم القرآن كلمة «رجل» بالتحديد؟
ج: اللغة العربية تختار ألفاظًا لأسباب بلاغية وأسلوبية؛ ذكر «رجل» هنا لا يعني حصر المعنى بالرجال فقط.
س: هل المقصود بالقلبين الازدواجية الأخلاقية؟
ج: نعم — أحد أوجه التفسير الشائعة أن «قلبين» استعارة للانقسام الداخلي والتذبذب.
س: كيف يمكن أن يفيدنا هذا في الحياة اليومية؟
ج: يذكرنا بالثبات على المبدأ وتجنّب ازدواجية المعايير، وإدراك أن اللفظ قد يحمل حكمةً تتجاوز الحرف.
س: هل التفسير الذي يربط المرأة بالحمل مدعوم بالنص؟
ج: هو تأويل موضوعي قائم على ملاحظة بيولوجية؛ لكن المتفق عليه أن الآية لا تنص صراحةً على ذلك.
الخاتمة:
السؤال «هل للمرأة قلبان؟» يقودنا إلى درب أطول من مجرد نعم أو لا. النص القرآني هنا يقدم صورة بلاغية تحث على التأمل في دواخل النفس البشرية، وفي كيفية استعمال اللغة لإيصال حكم ومقاصد. الفهم الرشيد يأتي من الجمع بين معرفة اللغة، والسياق، والتأمل العلمي والروحي. أما الدرس العملي: لا تنخدع بالمظاهر، وابحث دومًا عن وحدة القلب وصدق الموقف.