ليست كل خسارة خسارة: قصة الرسّام على السطح وحكمة إنقاذك من لوحتك قبل السقوط


ليست كل خسارة خسارة – لوحة على سطح عمارة

تمهيد:

 لماذا نقع في فخّ لوحاتنا الجميلة؟

ننشغل أحيانًا بإنجازاتنا حتى نرى العالم من ثقب واحد: ثقب الإعجاب بالذات. هذا الإعجاب، مع أنه حافز، قد يعمينا عن المخاطر. نقول: “أنا أستحق الإشادة الآن”، بينما الأرض من تحتنا تميل بنا صوب الحافة. القصة تكشف تلك اللحظة الحرجة حين يصبح التراجع خطوةً أخرى إلى الخلف اقترابًا من الهاوية لا اتساعًا للرؤية.

القصة:

في صباحٍ مشمس، صعد صديقان إلى سطح عمارة عالية كي ينجزا لوحة فنية كبيرة. انهماك أحدهما في الرسم حتى أتمّ لوحة مدهشة. بدأ يتراجع خطوةً بعد خطوة ليرى جمالها كاملًا، وكلّما ابتعد زاد إعجابه وغاب تركيزه، ولم يلحظ أنه يقترب من الحافة.
لاحظ صديقه الخطر، وخشي إن ناداه أن يلتفت فجأة فيختل توازنه ويسقط. لم يجد حلًا أسرع من أن يسكب علبة الألوان على اللوحة، فشوّهها في لحظة. اندفع الرسّام غاضبًا:
— لماذا أفسدت لوحتي؟
ابتسم الآخر بهدوء:
— لقد أنقذتك منها؛ لو بقيت مأخوذًا بجمالها أكثر، لسقطت من أعلى السطح.
الحكمة: ليست كل خسارة خسارة؛ أحيانًا تُشوَّه أجمل لوحاتك لتمنع سقوطًا لا رجعة بعده.


المعنى العميق: عندما يكون التشويه إنقاذًا.

من السهل أن نكره من شوّه لوحتنا، ومن الصعب أن ندرك أنه أنقذنا. في الحياة، قد تبدو:

  • خسارة وظيفة وكأنها انهيار، لكنها قد تكون فرصة لإعادة اكتشاف الذات.

  • فسخ ارتباط كصدمة، لكنه أحيانًا حماية من علاقة مؤذية.

  • فشل مشروع كوصمة، لكن فيه ولادة لفكرة أصلب.
    المغزى: ليست كل خسارة خسارة؛ بعض الخسائر تقصّ شريط الإنقاذ حول خصرك قبل السقوط.


كيف نتعامل مع “تشويه لوحاتنا” في الواقع؟

  1. أوقف ردّ الفعل العاطفي الأول
    قبل أن تثور، اسأل: ماذا كنتُ على وشك خسارته لو لم يحدث هذا “التشويه”؟

  2. ابحث عن الخطر الذي لم تره
    أيّ حافةٍ كنت تقترب منها؟ إرهاق، غرور، مخاطرة مالية، علاقة سامة؟

  3. فرّق بين الشخص والفعل
    قد تكره التصرف الآن، لكن لا تُسارع إلى قطع العلاقة. امنح نفسك وقتًا للفهم.

  4. حوّل الصدمة إلى خطة
    اكتب ثلاث خطوات تعويضية: مهارة جديدة، شبكة علاقات، مشروع بديل.

  5. اشكر من أنقذك لاحقًا
    امتنانٌ مؤجّل أفضل من قطيعةٍ عاجلة.


دروس قيّمة من قصة السطح:

  • الرؤية تتسع أحيانًا إلى الخلف، لكن ليس إلى حدّ السقوط.

  • أفضل الإنقاذات تأتي بلا إنذار.

  • النجاح الحقيقي هو أن تبقى واقفًا، لا أن تبهر الآخرين مؤقتًا.

  • الصديق الصادق لا يصفّق للخطأ، بل يوقفه.

  • الإنجاز العظيم لا يستحق حياتك أو سلامتك النفسية.


تطبيقات عملية سريعة (Checklist)

  • هل لاحظت نفسك تتراجع إلى الخلف معجبًا بما صنعت؟ ضع حدًّا زمنيًّا للانبهار وابدأ تقييم المخاطر.

  • عندما يفسد القدر خطتك، اسأل: “ما الحافة التي كنتُ أتجه نحوها؟”

  • قرر اليوم أن تتعامل مع النقد كمرآة لا كعدو.

  • ابنِ حولك شبكة أصدقاء يُفسدون “لوحتك” قبل أن تُفسد حياتك.

  • اكتب “حوافّي” الخمس: أكثر خمس مناطق خطر في حياتي المهنية والشخصية.


أمثلة واقعية مشابهة:

  • رياضي محترف تعرض لإصابة أنهت موسمًا واكتشف لاحقًا أنها أنقذته من إصابة دائمة لأنها أجبرته على إعادة تأهيل أكثر توازنًا.

  • موظف رُفض طلب ترقيته، فقرر تطوير مهاراته الرقمية، وبعد عام حصل على وظيفة أفضل بمرتب أعلى.

  • رائد أعمال خسر تمويلًا أخيرًا، فخفض التكاليف وأعاد تصميم المنتج، لينطلق بمرونة أفضل.


أسئلة شائعة (FAQs)

س: هل يعني هذا أن نقبل كل خسارة بصدر رحب؟
ج: لا. القبول ليس استسلامًا. المطلوب فهم سبب الخسارة: هل أتت لتحمينا من خطر، أم لنصلح تقصيرًا؟

س: ماذا لو كان “مُشوّه اللوحة” حاقدًا لا منقذًا؟
ج: تبيّن ذلك بالدلائل: هل كان تصرّفه ضرورة؟ هل أنقذك من خطر حقيقي؟ الحكمة تفرّق بين إفسادٍ مُنقِذ وإفسادٍ مُؤذٍ.

س: كيف أعرف أني قريب من الحافة؟

ج: عندما يزيد الانبهار بإنجازك على حساب النوم، الهدوء، العلاقات، أو الموارد. التوازن مؤشر الأمان.

س: كيف أشكر من أنقذني بعد غضبي؟
ج: باعترافٍ صادق: “كنت غاضبًا، واليوم أفهم أنك أنقذتني.” والاعتراف لا يُنقصك، بل يرفعك.

س: هل أُعيد بناء “اللوحة” أم أبدأ من جديد؟
ج: قرر حسب الموقف: إن كان التشويه فضح عيبًا بنيويًا، فابدأ من جديد بخطة أصلب. وإن كان سطحيًّا، فأصلحه وتقدم.


الخلاصة (Conclusion)

قصة الرسّام على السطح ليست عن لوحةٍ فنية بقدر ما هي عن حياةٍ كادت تسقط. في لحظات الافتتان بإنجازاتنا، نحتاج إلى صديقٍ لا يخاف من تشويه اللوحة كي يحفظ صاحبها. لا تجعل الغضب السريع يعميك عن غاية الإنقاذ. تذكّر: ليست كل خسارة خسارة؛ فبعض الخسائر باب نجاة، وبعض التشويهات ترميمٌ لروحك قبل أن تهوي من الحافة.


تعليقات