قصة الردّ بالفعل لا بالجدال: حكاية الحكيم والذي جادل بالنار والطين

شيخ حكيم في دكّان كتب قديم يعلّم رجلاً مغالِطًا درسًا بالعمل لا بالكلام.

تمهيد:

في زمنٍ تزدحم فيه المنصات بالأسئلة المتعالية والمشاكسات الذهنية، نحتاج إلى قصصٍ تُنبت في القلوب تواضعًا وفي العقول بصيرةً. 

القصة:

في سوقٍ عتيق يضوع بعطر الورق القديم، كان دكّانُ كتبٍ صغير يعمّر حلقات العلم بصمت. على مقعدٍ خشبي جلس شيخٌ عُرف بالحكمة: 

كلماته قليلة، موضوعةٌ حيث ينبغي أن توضع.
دخل رجلٌ يحب الجدال، يمشي بثوبٍ أنيق ولسانٍ فصيح، يلتقط الأسئلة كما يلتقط الصيادُ الموجَ بالشِّباك. تقدّم وقال مباهاة:
— كيف يُعذِّب الله إبليس بالنار وهو مخلوقٌ منها؟ أليس من خُلِق من شيء لا يتأذّى به؟
لم يتغيّر وجه الشيخ. مدّ يده إلى قطعة طينٍ يابسٍ على طبق فخّار، قذفها برفقٍ فقفزت وأصابت كتف السائل. صاح الرجل:
— آلمتني!
قال الشيخ ساكنًا:
— عجيب، أنت مخلوقٌ من الطين… فكيف يؤلمك ما خُلِقتَ منه؟
ساد صمتٌ ثقيل. نظر الرجل إلى كتفه وإلى الشيخ وإلى وجوهٍ فهمت الدرس بلا خطبة. تراجع خطوةً وقال بنبرةٍ مُقرّة:
— كنت أسأل لأحرج، لا لأتعلّم.
ابتسم الشيخ:
— من جعل السؤالَ سلّمًا رُفع، ومن جعله سلاحًا جُرح به. ليس كل ما يُقاس حقًا، ولا منشأُ الشيء يعصمه من أثره. والعقل يعمل حيث وُضع، فإذا بلغ باب الغيب وقف مؤدّبًا.
خرج الرجل آخر النهار بخطى مطمئنة. في الغد جلس في الحلقة نفسها وقال:
— تعلّمتُ أمس أن الجواب قد يكون فعلا لا قولا، وأن قطعة طينٍ قد توقظ عقلًا نام طويلًا.

العِبرة:

الفعل أفصح من الجدل

الموعظة العملية تُسقط البناء الوهمي للمغالطة بسرعة. رميةُ الطين حوّلت الفرضية إلى تجربةٍ محسوسة، فأبطلت الدعوى بلا صخب.

تعليقات