حكاية «الأرنب الذي صار دبًّا» والدب الذي صار أرنبًا: قصة قصيرة بلسان جديد وحكمة مُلهمة عن الكفاءة والعدالة

 

قصة الأرنب الذي صار دبًّا والدب الذي صار أرنبًا — حكاية عن تزوير الكفاءة

المقدمة:

في الغابات — كما في المدن — لا تُقاس القيمة بالحجم، بل بما يُنجز بالضمير. لكن ماذا لو تبدّلت المسميات حتى صار الصغير كبيرًا على الورق، والكبير صغيرًا في الواقع؟ هذه الحكاية خفيفة الظل، رشيقة السرد، قصيرة المقاطع، لكنها تُزيح أوراق الشجر عن حقيقة موجعة: حين تُدار الأمور بالأختام بدل الاختصاص، تصبح المواقع أقنعة، وتتحول الكفاءات إلى ضيوف عابرين.

القصة:

أعلنت الغابة، عبر لوحة خشبية معلّقة على جذع بلوط، عن وظيفة شاغرة بعنوان: «أرنب بدوام كامل». لم يتقدّم من الأرانب أحد؛ فالكل مشغول بالقفز وجمع الجزر. وحده دبّ لطيف، عاطل منذ موسم العسل، نظر إلى الإعلان بضيقٍ في الجيب واتّساع في الأمل، وقال: «العمل عمل، ولو كان قفزًا».

قدّم الدب ملفًا مرتبًا: صورة شخصية بابتسامة مربكة، وسيرة ذاتية تقول إنه يجيد الحفر والسباحة وحراسة الخلايا. لم يسأل أحد كيف سيقفز دبٌّ مثل كرة صوف في مهب الريح. تم قبوله فورًا، وصدر قرار تعيينه: «الرتبة: أرنب».

مضت أسابيع، واكتشف الدب أمرًا أغرب من وظيفته: أرنبٌ آخر يتقلّد رتبة «دب». على كتفه شارة لامعة، وراتبه كافٍ لإطعام قطيع من القنافذ. كان الدب الحقيقي — المعيّن أرنبًا — يتقاضى مخصصات الوجبات الخفيفة، بينما الأرنب المعيّن دبًّا ينعم بمخصصات الكهوف والشتاء الطويل.

رفع الدب شكوى مهذّبة إلى مدير الإدارة. تدرّجت الشكوى من مكتب إلى مكتب حتى وصلت إلى الإدارة العامة. جرى تشكيل لجنة مرموقة من «الفهود» للنظر في القضية. حضر الدب والأرنب، والوجوم معلّق بينهما مثل غيمة.

طالبت اللجنة الأرنب بتقديم وثائقه. كانت الأوراق مُحكمة: «النوع الوظيفي: دب. الدرجة: مفترس كبير. المخصصات: علاوة دب». ثم طُلب من الدب إبراز ملفّه. فإذا بكل الأوراق تؤكد: «النوع الوظيفي: أرنب. الدرجة: قافز مبتدئ. المخصصات: وجبة جزر ومكان نوم صغير».

تشاور «الفهود» طويلًا، ثم أصدروا قرارًا «علميًا»: لا تغيير. فالأوراق، بنصوصها وأختامها، قالت ما يلزم قوله: الأرنب دب، والدب أرنب، ولا جدال.

خرج الدب من القاعة هادئًا بلا استئناف. سألوه: «لِمَ قبلت؟». قال، وهو يضع الشارة الصغيرة على صدره الكبير: «كيف أعترض على لجنة من الفهود، وأوراق أعضائها  تقول إنهم فهود، بينما يعرف الجميع أنهم… حمير.

الحكمة: حين تُدار الغابة بالمسميات لا بالكفاءات، تُصبح الحقيقة تائهة بين الختم والتوقيع.


الدلالات والعِبر:

  1. الكفاءة فوق اللقب: العناوين لا تصنع القدرة. الدب دب بأفعاله، والأرنب أرنب بمهامه، مهما كُتِب على الورق.

  2. خطر التسييس والوجاهة: حين تتلبّس الأدوار وتُوزّع المناصب بمقاييس العلاقات، تختلّ منظومة العدالة.

  3. المستندات لا تُعادل الواقع: الأوراق وسيلة للتوثيق لا للاستبدال؛ إن نافست الحقيقة سقطت شرعيتها.

  4. المؤسسات تُشبه قراراتها: لجانٌ مختلة تنتج أحكامًا مختلّة، ولو اختبأت خلف أسماء رنّانة.

  5. الصمت ليس رضًا، بل تشخيص: قبول الدب بالقرار لم يكن استسلامًا بل إدانة ذكية للعبة الأختام.


لماذا تظل القصة راهنة اليوم؟

  • في العمل: تُذكّرنا أن الوصف الوظيفي يجب أن يطابق المهام فعليًا، وأن الترقيات تُبنى على الأداء.

  • في التعليم: الشهادات تُفتح الأبواب، لكنها لا تُدير المختبرات ما لم تُساندها مهارات.

  • في المجتمع: الاستحقاق ركيزة الثقة؛ تهتز الثقة حين يُعيَّن الأرنب «دبًا» والدب «أرنبًا».

  • في القيادة: القائد الحق يختار الأكفأ، لا الأقرب.


كيف نُطبّق الحكمة عمليًا؟

  1. تعريف واضح للوظائف: صياغة مهام قابلة للقياس، وربطها بمؤشرات أداء.

  2. اختبارات محايدة: مقابلات مبنية على مهارات فعلية ودراسات حالة، لا على الأسماء والسير المنمّقة.

  3. حوكمة للّجان: إعلان المعايير، تدوين محاضر شفّافة، وفتح باب الاستئناف.

  4. مراجعة دورية للألقاب: مواءمة الألقاب مع المهام المتغيرة؛ لا أحد يبقى «دبًا» للأبد إن لم يعد يؤدّي دور الدب.

  5. ثقافة الاعتراف: مكافأة من يعمل حتى لو لم تلمع شاراته، ومساءلة من يلمع بلا عمل.


مقتطفات قابلة للمشاركة:

  • «حين ينتفخ الختم، تنكمش الحقيقة.»

  • «الكفاءة لا تحتاج لقبًا؛ اللقب يحتاج كفاءة.»

  • «لجان بأوراق فهود وواقع حمير، لا تُنصِف غابة.»


أسئلة شائعة (FAQs)

س1: ما الرسالة الأساسية في الحكاية؟
الرسالة أن الألقاب بلا كفاءة تُفسد المؤسسات، وأن العدالة تُقاس بما يُنجَز لا بما يُعلّق على الصدور.

س2: لماذا قبل الدب بالقرار؟
قبِل ليفضح المفارقة: حين تكون لجان التحكيم نفسها مختلّة، يصبح الاعتراض على الورق صدىً لا يُسمَع.

س3: كيف نمنع تكرار هذا المشهد في بيئات العمل؟
بوصف مهام دقيق، ومؤشرات أداء واضحة، ولجان محايدة، وآليات استئناف شفافة.

س4: هل القصة ضد الشهادات والوثائق؟
أبدًا. هي ضد تحويل الوثائق إلى بديل عن الحقيقة. الشهادات مهمة حين تدعم الواقع لا حين تُزيّفه.

س5: ما الدرس القيادي المستفاد؟
القائد الحقيقي يضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ويُصحّح المسميات لتطابق العمل لا العكس.

س6: هل يمكن قراءة القصة للأطفال؟
نعم، مع تبسيط العبارة: «لا تدّعي ما لستَ عليه، وكن صادقًا في عملك»، مع تجنّب مفردات جارحة.


خاتمة:

تبقى هذه الحكاية مرآة صغيرة تُريك وجهًا كبيرًا من واقعنا: متى ما رُفِعت المسميات فوق الكفاءات، صار الأرنب دبًّا والدب أرنبًا، وفقدت الغابة اتّزانها. الإصلاح يبدأ من كلمة حقّ في الوصف، وخطوة حقّ في التعيين، وقرار شجاع يُساوي بين اللقب والعمل. فلتُقاس المناصب بما نُنجز، لا بما نُلصق.


تعليقات