في صباح مشمس من أيام الربيع، عاد شاب يُدعى حسّان إلى والده بخطوات مسرعة ونبضٍ متسارع، وملامحه لا تخفي اندهاشه.
قال بصوت مرتجف:
"يا أبي… اليوم رأيت فتاةً وكأنها خرجت من بين طيّات السماء. جمالها لا يُشبِه البشر، بل يفوق الوصف، أريدها زوجة لي… أرجوك ساعدني!"
ابتسم الأب، وربت على كتف ابنه قائلاً:
"من يعثر على جوهرة، لا يجب أن ينتظر... هيا بنا."
وعند وصولهم إلى بيت الفتاة، وقفت أمامهم بابتسامة خجولة ونور يشع من حضورها. لكن ما إن نظر الأب إليها، حتى تغيرت ملامحه، وتنحنح قائلاً:
"يا بني… هذه ليست لك. تحتاج إلى رجل حكيم، خَبِرَ الحياة وذاق مرّها. ما زلتَ صغيرًا على مثل هذه الفتاة."
اندلع بينهما جدال طويل، واختلفت الآراء، حتى اضطروا للذهاب إلى قسم الشرطة لطلب حكم عادل.
هناك، دخل الضابط إلى الغرفة، فنظر إلى الفتاة وبدت عليه الدهشة، وقال:
"هذه الفتاة لا تليق بكما. إنما تصلح لرجل قوي ونافذ، مثل وزير في الدولة!"
لم يرضَ الطرفان بالحكم، فذهبوا جميعًا إلى الوزير.
وحين رأى الوزير الفتاة، لم يخفِ إعجابه، بل قالها بوضوح:
"لا يليق بها سوى أن تكون سيدة القصر، وسأمنحها كل ما تستحق!"
ازداد النزاع، فذهبوا إلى الحاكم، ظنًا أنه سيكون آخر المطاف.
وحين نظر إليها، قال بابتسامة المنتصر:
"هذه لا تليق إلا بأمير… وأنا الأمير، وأنا أحق بها."
هنا، وقفت الفتاة للمرة الأولى، وقالت بنبرة رصينة:
"إن كنتم جميعًا ترون أنفسكم أحقّ بي… فلنحتكم إلى اختبار عادل."
تساءل الجميع بدهشة:
"وما هو؟"
قالت:
"سأركض، ومن يلحق بي أولًا، أكون له."
بدأ السباق. انطلق الأب، الابن، الضابط، الوزير، والحاكم… كلهم يركضون بشغف، كلهم يلهثون ويصرخون باسمها، والجميع طامع بجمالها.
وفجأة، سقطوا في حفرة عميقة وسط الطريق، لم ينتبهوا إليها بسبب جريهم الأعمى خلفها.
وقفت الفتاة على حافة الحفرة، ونظرت إليهم من الأعلى، ثم قالت بهدوء عميق:
"هل عرفتم من أكون؟
أنا الدنيا… يركض خلفي الجميع، صغارًا وكبارًا، أغنياء وفقراء، ملوك ورعية.
يسعون خلف جمالي، ويجهلون نهايتي… والآن سقطتم في حفرتي، حفرة النهاية."
ثم اختفت… كما ظهرت، بلا أثر، تاركة خلفها صمتًا يُشبه الصدمة.
💡 الحكمة:
"الدنيا تخدع من يطاردها، وتُغري من ينسى حقيقتها. لا تجعلها غايتك، فإنها فانية. ومهما بدت براقة، فخاتمتها حفرة لا مفر منها."