الشيطان والسؤال الثلاثي: درس في الحاضر وحكمة الشيخ البسيط

 

الشيطان والسؤال الثلاثي — مشهد رمزي للتجربة والاختبار

المقدمة:

يُحكى في زمن ما، عند مفترق الصدق والفتنة، أن ظلًّا لا يرحم طرق أبواب القلوب ويسأل سؤالاً يبدو بريئًا لكنه يحمل سموم الشك. ثلاث إجابات، وثلاثة مصائر — تختلف الردود باختلاف القلب. وهذه حكاية لم تعد عن الماضي بقدر ما هي مرآة للحاضر.

القصة:

في ليلة لا يُعرف لها زمان محدد، ظهر الشيطان لثلاثة شيوخ. لم يكن ظهوره صاخبًا، بل جاء بعباءة وسؤال يشبه الفخ: "ماذا لو أُعطيتكم القدرة على تغيير شيء من الماضي، فماذا ستغيرون؟"

الأول، شيخٌ يثقل صدره الحرمان من قرب الناس بالله، انغمس في حلمه بحماس: "أمنع سقوط آدم وحواء في المعصية، ليبقى البشر دومًا قريبين من الرب." كان جوابه يحمل رغبة نبيلة، لكنه بدا وكأنه يقايض حكمة الرب بقوة إنسانية.

الثاني، كان قلبه رقيقًا بالرحمة؛ نظر إلى العدو باعتباره ضحية محتملة لنفسه، فصاح: "أريد أن أمنعك أنت من الابتعاد عن الله، وأن أدينك إلى الأبد." رغبته كانت في الإصلاح حتى للعدو، لكنها ارتبطت بفكرة عقاب لا تتناسب مع حكمة الخالق.

أما الثالث، فهو أبسطهم مظهرًا والأعمق فهمًا: بدلاً من الدخول في جدال فلسفي مع كيان معروف ببغضه للحق، سجد على ركبتيه، قال: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، وتلاه بقراءة آية الكرسي. لم يحتج إلى مناظرة أو احتجاجات؛ فعلُه كان كافياً. صاح الشيطان واختفى عاجزًا.

الشيخان، مذهولان، سألاه عن سرّ هذا التصرف، فأجابهما ببساطةٍ وحكمةٍ: "أوّلًا: لا نتحاور مع العدو طالما نعلم كيفية هزيمته. ثانيًا: لا أحد يملك تغيير الماضي. ثالثًا: مصلحة الشيطان ليست اختبارنا فقط، بل أن يجعلنا نتشبث بالماضي ونهمل الحاضر، وفي هذا يضيع مستقبلنا."

وهكذا انتهت التجربة ودُفنت الفكرة: الماضي ملكٌ لمن كتبه الله، المستقبل بيد الله، والحاضر هو ما يطلبه منا الله أن نعمل فيه.

تفسير وتأمل وتحليل:

  1. التعامل مع التجربة: الشيطان هنا لا يسأل ليريد معرفة الإجابة، بل ليوقظ في القلوب رغبًا في الندم أو التعلق بالماضيات. الحوار معه يمكن أن يكون مدخلًا للفخ؛ لأن كلما تحدث الإنسان مع المغريات، أعطاها مساحة لتكبر في صدره.

  2. أوهام القدرة على تغيير الماضي: رغبة تغيير الماضي إنما تعبر عن ضعف في قبول النتائج وحكمة الامتثال لقدر الله. القبول لا يعني الاستسلام الفاسد، بل فهم حدود الفعل البشري والعمل في الحاضر.

  3. الحكمة العملية: القائد الحقيقي ليس من يحلم بإصلاح ما لا يمكن إصلاحه، بل من يواجه واقعه ويعمل هنا والآن. الشيخ الثالث قدّم نموذجًا عمليًا: الدعاء، الاستعاذة، والالتزام بالعبادة كسبيل لمواجهة الفتنة.

  4. تعليم روحي للحاضر: الحاضر هو نقطة التحول الوحيدة المتاحة لنا. العمل فيه يغير الاتجاهات المستقبلية أكثر من الندم على الماضي. من يحسن استخدام الحاضر يصنع مستقبله، ومن يتشبث بالماضي يضيع عمره في أحلام لا طائل منها.

الدروس المستخلصة (نقاط قصيرة):

  • لا تدخل في مناظرة مع من لا يطلب الحق.

  • الماضي قد مرّ وتحت رحمة الله؛ ليس لنا عليه سلطة.

  • الاستعاذة والذكر سلاح فعّال ضد التجارب.

  • العمل في الحاضر هو السبيل لصناعة مستقبل أفضل.

  • الرغبة في إصلاح كل شيء أحيانا دليل على سوء فهم لحدود الإنسان.

ثمرة القصة (ملخص حكمي):

الماضي حدث تحت رحمة الله وانتهى. المستقبل في علم الله ولا نعلم عنه شيئًا. الحاضر هو ما ينبغي أن نعمل عليه — لا ماضٍ نستطيع تغييره ولا مستقبل نعلمه يقينيًا.

الأسئلة الشائعة (FAQs)

س: هل القصة تنفي أهمية التوبة عن الأخطاء الماضية؟
ج: لا، القصة لا تنفي التوبة. بل تميّز بين التعلق بالماضي وبين الاستفادة منه للتوبة والعمل في الحاضر. التوبة فعل حاضر يؤدي لنتائج في المستقبل.

س: لماذا لم يحاول الشيخان التفكير بمنطق مختلف؟
ج: ردة الفعل البشرية طبيعية؛ كل واحد يرى ما يميل إليه قلبه: أحدهما رغبة في إنقاذ البشرية، والآخر رحمة حتى للعدو. لكن الحكمة الحقيقية أن نعرف حدودنا ونتصرف بمقتضى الأدب مع الله.

س: ما معنى "ليس لنا القدرة على تغيير الماضي" عمليًا؟
ج: عمليًا يعني ألا نضيع وقتنا في الندم المستمر، بل نعالج أثر الماضي بأفعال حاضرة: إصلاح، اعتذار، توبة، وتغيير سلوكنا اليومي.

س: كيف أتعامل عندما يطرح عليّ شخص سؤالًا يبدو فلسفيًا لكنه فخ؟
ج: تذكر نية السائل والهدف؛ إن كان السؤال يدخل في مغالطة أو يوقظك سلبًا، استخدم ذكر الله، أو ابتعد، أو حول النقاش إلى فعل بنّاء.

س: هل القصة تعليم ديني فقط أم لها بعد حياتي عملي؟
ج: القصة تحمل بعدًا روحانيًا وأخلاقيًا وعمليًا: توجيه للحياة اليومية — إدارة الندم، التركيز على الحاضر، وتحمل مسؤولية الفعل الآن.

الخاتمة:

هذه القصة الرمزية ليست مجرد حكاية عن سؤالٍ وخيارات؛ إنها دعوة لنعيد ترتيب علاقتنا بالزمن: نغلق باب الشكوى عن الماضي، ونفتح نافذة العمل في الحاضر، ونضع ثقتنا في حكمة الله بشأن المستقبل. في عالم تتزايد فيه الضوضاء والندم، يكفي أن نعوذ بالله، نذكره، وننطلق لنصنع خير الغد من فعل اليوم.


تعليقات