المقدمة:
في قاعة محكمة هادئة، وقف رجلان متناقضان في العمر والهيئة، أحدهما يتكئ على عصا غليظة، والآخر يطالب بذهب ضائع. لم يكن القاضي يعلم أن العصا التي يحملها الشيخ تخفي أكثر مما يبدو...
السرد:
في يومٍ من الأيام، دخل رجلان المحكمة، أحدهما قويّ البنية في الخمسين من عمره، والآخر شيخ طاعن يتوكأ على عصا خشبية. قال الرجل الأول بصوتٍ متوتر:
"يا سيدي القاضي، أعطيت هذا الشيخ عشر قطعٍ من الذهب حين كان في ضيقٍ من أمره، ووعدني أن يعيدها، لكنه ماطلني وتهرب مني كلما طالبته بحقي."
نظر القاضي إلى الشيخ وسأله بهدوء:
"ما قولك فيما قاله صاحبك؟"
أجاب الشيخ بصوتٍ متعبٍ لكنه ثابت:
"أعترف أنه أعطاني الذهب، ولكنني أعدته إليه منذ زمنٍ بعيد يا سيدي."
سأل القاضي:
"هل تقسم أمام المحكمة أنك أعدت الذهب؟"
قال الشيخ وهو يرفع حاجبيه بثقة:
"نعم أقسم."
ثم التفت الشيخ إلى صديقه قائلاً:
"أمسك عصاي يا صاحبي لأرفع يدي وأقسم."
أخذ الرجل العصا بيده، ورفع الشيخ يده قائلاً:
"أقسم بالله العظيم أني رددت الذهب إليه."
صدق القاضي الشيخ، ولام الرجل متهماً ذاكرته بالنسيان. اعتذر وغادر مع صديقه الشيخ، وكاد القاضي أن يُنهي الجلسة، لكن شيئاً ما في قلبه لم يطمئن.
كانت العصا الثقيلة التي يتكئ عليها الشيخ تثير شكوكه…
ناداهما القاضي مجدداً، وسألهما:
"أيها الشيخ، هل اعتدت أن تتوكأ على عصاً؟"
قال الشيخ متردداً:
"أحياناً يا سيدي، حين أتعب."
ثم وجه القاضي سؤاله للرجل الآخر:
"هل رأيت صديقك من قبل يستخدم عصاً؟"
أجاب:
"لا يا سيدي، هذه أول مرة أراه يحملها."
طلب القاضي العصا، وأخذ يتفحصها بدقة، لاحظ أنها أثقل من المعتاد. أدار المقبض فوجد أنه قابل للفك، وحين فتحه، سقطت منه قطعة قماش، تبعها سقوط عشر قطع ذهبية لامعة على أرض المحكمة.
ساد الصمت القاعة، والعيون كلها متجهة نحو الشيخ الذي شحب وجهه.
قال القاضي بحزم:
"أيها الشيخ، أردت أن تخدع العدالة بقسمك الزائف، فوضعت الذهب داخل عصاك وسلمتها لصاحبك قبل القسم حتى تقول إن الذهب بين يديه! أتظن أن الله غافل عما تعمل؟"
أمر القاضي الحراس بسجنه قائلاً:
"هذه خيانة للأمانة وكذب في القسم، وجريمة لا تُغتفر. ستنال جزاءك العادل."
خرج الرجل الأول من المحكمة سعيداً وهو لا يكاد يصدق أن ذهبه عاد إليه. أما القاضي فقد حُفر اسمه في ذاكرة القرية كرمزٍ للعدل والفطنة، وأقسم الناس أن لا يتركوا قضيّة إلا واحتكموا إليه ما دام حيّاً.
💡 العبرة من القصة:
الذكاء وحده لا يكفي، فالقلب النزيه والعين المتفحصة هما من يحفظان للعدالة هيبتها. والخداع مهما أُتقن، لا يصمد أمام نور الحق.
الدروس المستفادة:
-
لا يوجد قسمٌ يحمي الكاذب من الحقيقة.
-
القاضي الحكيم لا يكتفي بالكلمات بل يبحث في التفاصيل.
-
الخداع قد يمنحك مكسباً لحظياً، لكنه يسلبك شرف العمر.
-
الأمانة أثمن من الذهب.
❓ الأسئلة الشائعة (FAQs):
س: ما المغزى الحقيقي من القصة؟
ج: أن الأمانة لا تُقدر بثمن، وأن الكذب مهما تزخرف ينكشف أمام العدل والحق.
س: لماذا شكّ القاضي في الشيخ؟
ج: لأنه لاحظ أمرًا غير منطقي، وهو تسليم العصا قبل القسم، مما أثار لديه الشك في وجود خدعة.
س: ماذا تعلّمنا من القاضي؟
ج: أن الحكمة تكمن في الانتباه إلى التفاصيل الصغيرة التي قد تغيّر مجرى الحقيقة.
س: هل العدالة تنتصر دائماً؟
ج: نعم، ولو بعد حين، فالحق لا يموت وإن غُلف بالزيف.
🏁 الخاتمة:
قد يظن الماكر أن ذكاءه ينقذه، لكن هناك من وهبه الله بصيرة تكشف المستور. فكما أن الذهب اللامع اختبأ داخل عصا خشبية، كذلك يختبئ الكذب خلف الكلمات. لكن العدل، حين يطل، يُسقط الأقنعة ويعيد لكل ذي حقٍ حقه.