مات أحد شيوخ العشائر ، وأرادت العشيرة تنصيب شيخ جديد لأن ابن الشيخ صغير على أن يكون شيخً
وطرحوا أسماء خمسة من أبناء رجال العشيرة للمشيخة ، وبعد أن اختلفوا لبس كل منهم عباءة وذهبوا للقاضي ومعهم الطفل الصغير ابن الشيخ المتوفى ، وعندما وصلوا بيت القاضي تركوا الولد الصغير مع الغنم ودخلوا على القاضي وبعد ما سمع القاضي كلامهم ، صب لكل واحد منهم فنجان قهوة وقال لهم :
أريد من كل واحد منكم أن يعيد الفنجان فارغًا بشرط ألا تشربوا القهوة ولا تسكبوها .
احتار الرجال ونظر بعضهم لبعض ، ولما رآهم القاضي كذلك قال لهم :
شيخكم الميت هل له ولد ؟
قالوا له :
نعم لكنه صغير بالعمر وأحضرناه معنا وتركناه مع الغنم .
فطلبه القاضي وأعطاه فنجان القهوة وقال له :
أريد منك أن تعيد الفنجان فارغًا بشرط ألا تشرب القهوة ولا تسكبها ........
فوضع الولد طرف غطاء رأسه (الغترة) بالفنجان إلى أن امتص القهوة كاملة ، وقال للقاضي : فنجانك فارغ وقهوتك على رأسي .
قال له القاضي :
ما المكسب ، ورأس المال ، والخسارة ؟
قال الولد:
المكسب أن تكون أحسن من أبيك .
ورأس المال أن تكون مثل أبيك .
أما الخسارة أن تكون أردى منه .
قال له القاضي :
ما أول أمس ، وأمس ، واليوم ؟
قال الولد :
أول أمس هو جدي وأمس هو أبي واليوم هو أنا .
قال القاضي :
أعزك الله ، قوموا يا رجال وخذوا شيخكم واذهبوا .
اكتساب الخبرة أهم من المال ولبس العباءات ، فالولد الصغير تربى في بيت شيخ القبيلة وتعلم منه أشياء لم يكن يدري عنها أي من الرجال أصحاب العباءات شيئًا .
ولنا في قصة يوسف عليه السلام عبرة ، لأنه تربى في بيت العزيز واكتسب خبرات كثيرة لذلك قال للملك وبكل ثقة :
( اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم )
ليس كل من ملك المال ولبس عباءة صار شيخًا .
يقول الحكيم :
جالس العلماء بعقلك ، وجالس الأمراء بعلمك .
وجالس الأصدقاء بأدبك ، وجالس أهل بيتك بعطفك .