النعناع الذي هزّ نيويورك: حكاية بائع، مئات القطط، وقضية لا تُصدّق (1909)

 

بائع النعناع والقطط في شوارع نيويورك 1909

المقدمة:

في طيّات زمنٍ يبدو بسيطًا، حدث شيء يوقظ غموضًا طفوليًا: رائحة صغيرة فتحت باب فوضى وحكاية. ليس كل ما يثير الضحك يمكن أن يُفهم بسهولة، ولا كل ما يبدو لعبًا يمكن أن يُعتبر بريئًا أمام القانون. هكذا يبدأ يوم لم ينسه أحد في إحدى زوايا نيويورك عام 1909.

عام 1909.

القصة:

في صباح خريفي ناقص الدفء من عام 1909، خرج رجل بسيط من بيته وحمل على ظهره سلة وُصفت بصغيرة الحجم، لكنها كانت ممتلئة بأكياس ورقية متوسطة الحجم تحوي نعناعًا بريًا — ذلك النوع الذي يعرفه الناس الآن باسم catnip، العشبة الساحرة للقطط. كان الرجل اسمه توماس (اسم افتراضي نقرب به الحكاية إلى وجوه واقعية) — رجل في منتصف العمر، بسيط الملبس، يعتمد على البيع من باب إلى باب لإطعام عائلته.

لم يكن توماس مُعلِّمًا في البلاغة ولا متكلّمًا بأساليب الإقناع؛ كان يتكل على صدقه، وابتسامته الخجولة، ونوعية منتجه. مرّ في الأزقة، طرق الأبواب، وراى بعض الأطفال يقفزون، وبعض النساء يناظرن من النوافذ بفضولٍ هشّ. وضع لافتة بسيطة على سلتِه: "نعناع بري طازج — ممتاز للقطط".

لم يمض وقت طويل حتى بدأ العجيب يحدث: قطة هنا، وقطّة هناك، ثم قطة ترتطم بساق مقعد خشبي وتسقط على ظهرها وتتمطّى في سعادة غريبة. الرائحة، التي لم تكن ظاهرة للناس الذين لا تحركهم رائحة النعناع البري كما تتحرك القطط، كانت بمثابة نغمٍ سري لكلِّ منشقّات الرشيم الأربع المخملية. في دقائق، توافدت القطط من كل فجّ وصوب: من الأزقة، من فوق الجدران القصيرة، من خلال المصارف، وحتى من داخل ظلال العربات المتوقفة.

الشارع، الذي كان قبل قليل مجرد ممر، تحوّل إلى بقعة ضوضاء رخوة: مواء جماعي، حركات تمويجية على الأرصفة، وتدحرجات قططية تقضم حواف الأكياس وتشمّ البضاعة كما لو أنها اكتشفت كنزًا. عددها زاد بسرعة — عشرات، ثم أكثر من أربعين، وفقًا لشهودٍ تذكارين. كان المشهد محيراً ومرِحًا وغريبًا في آنٍ واحد؛ المارة توقفوا، الأطفال ضحكوا، وامرأةٌ مسنة هرعت لإخراج طبقٍ من الحليب اعتقادًا منها أن المشهد يحتاج طقوسًا.

ثم جاءت الشرطة.

لم تكن السلطات متأخّرة بقدر ما كانت متحيرة. تقاريرٌ قصيرة وردت إلى مركز الشرطة عن "تجمع غير عادي" في شارعٍ سكني، وعن "إزعاج" يزعج سكان الحي. عند وصول عناصر الدورية، رأوا الرجل في وسط حلقةٍ من القطط؛ بدا وكأنه عارضٌ لمهرجانٍ صغير وليس متسبّبًا في فوضى. لكنّ القانون آنذاك — كما هو الحال الآن غالبًا — بدأ يبحث عن عنصرٍ بشري يُحمّل المسؤولية. التهمة التي سجلوها؟ "التحريض على تكوين حشد" — عنوان يبدو أقرب إلى مادة قانونية مخصصة لبشرٍ بشعاراتٍ سياسية، لا لبائع نعناع بري وسط قطيع سعِد.

تم احتجاز توماس لبضع ساعات، خلّف الحيّ موجةً من السخرية والدهشة. امتزج الراي العام بين من اعتبر ما حدث دعابةً لا تضر ومن رأى في الرجل مستهترًا يخرب النظام العام. الصحف الصغيرة في الأحياء نشرت العناوين بنبرة تمسّك بالضحك قبل الالتزام بالخبر، وأطفال الحي استعادوا الحكاية كحكاية مخبوزة بنكهات الفُكاهة اليومية.

الأمر لم يتحوّل إلى قضية جنائية كبيرة؛ بعد استجواب وسخرية، أُفرج عن الرجل وتحسّرت الضحكات. إلا أن الحكاية بقيت علامة على كيفية تصادم الطبيعة والمدينة، وكيف يمكن لنبتة صغيرة أن تُعيد ترتيب أولويات الناس والسلطات — ولو ليومٍ واحد.

تحليل السرد: لماذا أثارت هذه الحادثة كل ذلك الاهتمام؟

  1. التصادم بين البراءة والقانون: حدث بسيط، بدا بريئًا لذيذًا، لكن المنظومة القانونية تعاملت معه بحرفية ترجح مبدأ النظام على روح الدعابة. هذا التصادم هو ما يجعل القصة قابلة للسرد المستمر.

  2. الفضول البشري: البشر مفتونون بالمشاهد غير المتوقعة — رائحة تُحدث تجمعًا لا تفسير له بسهولة. الفضول هو ما جعل الجيران يخرجون والشهود يروون.

  3. التمثيل الرمزي: يمكن قراءة الحكاية كرمز للاحتكاك بين المدينة والطبيعة: نبتة صغيرة ترتب فوضى جميلة وسط صرامة الحيّ المدني.

  4. الإعلام الشعبي: الصحف الصغيرة والتحيّزات الثقافية للدائرة المحلية قادت إلى تضخيم الحكاية وتحويلها إلى مادة سردية مسلية.

ماذا لو كان لك سلطة في ذلك الوقت؟ (مقترحات سياسية وإنسانية)

  • عقوبة بديلة: بدلًا من اعتقال البائع، يمكن استدعاؤه للتحذير وفرض غرامة صغيرة إن لزم — مع دعوة السكان لرعاية القطط أو نقلها إن كانت تسبب إزعاجًا.

  • تنظيم البيع: وضع قواعد بسيطة لبيع مواد تجذب الحيوانات في مناطق مفتوحة بعيدًا عن أماكن تجمع الناس.

  • توعية مجتمعية: حملة محلية صغيرة تشرح طبيعة النعناع البري وتأثيره على القطط، مع نصائح للسكان وكيفية التعامل مع تجمعات الحيوانات الأليفة.

  • لعِب قانوني أقل، عنف أقل: تذكّر القوانين أن مرونتها الاجتماعية تقيها من السخرية العامة؛ التصرف الإنساني قد يُجنّب السلطة الوقوع في موقف محرج.

الأسئلة الشائعة (FAQs)

س: هل النعناع البري حقيقيًا يجعل القطط في حالة "نشوة"؟
ج: نعم، النعناع البري يحتوي مركباتًا تؤثر على مستقبلات الروائح لدى القطط مما يسبب تفاعلًا سلوكيًا مؤقتًا، مثل التمطيط والتمسح واللعب.

س: لماذا اعتُبر هذا "تجمهرًا" قانونيًا؟
ج: القوانين غالبًا ما تجرم "التجمهر" عند حدوث ازدحام قد يسبب إزعاجًا أو يعرقل المرور أو يثير الذعر؛ توقيت وحساسية السلطات قادتا إلى تكييف الواقعة مع مادة قانونية مناسبة رغم طرافة سبب التجمع.

س: هل وُجهت تهم فعلية للبائع بخلاف التحريض على التجمهر؟
ج: بحسب السرد الشعبي للحكاية، التهمة كانت غريبة ومحدودة؛ لم تتحول القضية إلى اتهامات جنائية كبيرة وتم الإفراج عنه لاحقًا.

س: ماذا تعلمنا من الحكاية؟
ج: أن الطبيعة والمدينة يمكن أن تتداخل بطرق طريفة، وأن استجابة السلطات يجب أن تراعي روح الحدث وأبعاده الإنسانية قبل التشدد القانوني.

س: هل يجب منع بيع النعناع البري؟
ج: ليس بالضرورة؛ لكن تنظيم البيع ومراعاة الأماكن والزمان يساعدان على تجنب مواقف مماثلة.

خاتمة:

قصة بائع النعناع البري في نيويورك عام 1909 تذكّرنا بأن العالم مليء بلحظات غير متوقعة تحددها رائحة، فكرة، أو نبتة صغيرة. الأهم من الحكاية نفسها هو الدرس: كيف نقرأ الأحداث — هل نضحك أم نطبق القانون؟ هل نَسمح للطبيعة بأن تُحدث فوضى جميلة أم نتحفّظ خوفًا من الفوضى؟ في زمننا هذا، ربما ندعو إلى قليل من التسامح، قليل من الفهم، وكثير من القدرة على التمييز بين الضرر الحقيقي والبهجة المؤقتة. والآن، قارئي العزيز، لو كان لديك سلطة في ذلك الوقت: ماذا كنت ستفعل؟


تعليقات